كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن جرير: أخرج الأمر للقرين- وهو بلفظ واحد- مَخرَجَ خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل:
أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع. فرد قوله: {أَلْقِيَا} إلى المعنى.
والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهي: إن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل: ويلك! ارحلاها، وازجُراها، كما قال:
فقلتُ لصاحبي لا تحْبِسِانا ** بِنَزْعِ أصولِهِ واجتْرَّ شيحا

وقال أبو ثروان:
فإن تزجراني يا ابن عفانَ أنْزَجِرْ ** وإن تَدَعَاني أَحْمِ عِرضًا مُمنَّعَا

وسبب ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة؛ فجرى كلام الواحد على صاحبيه. ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلًا: يا صاحبَي، ياخليليّ. انتهى.
والكَفَََّّار المبالِغ في جحده وحدانيةَ الله تعالى وما جاء به رسوله صلوات الله عليه.
والعنيد المعانِد للحق وسبيل الهدى، لا يسمع دليلًا في مقابلة كفره، وقد زاد على العناد بوصف:
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ} [25].
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} أي: الكليّ، وهو الإسلام، أو المال. واستصوب ابن جرير أنه هنا كل حق وجب لله أو لآدمي في ماله، لأنه لم يخصص منه شيء؛ فدل على أنه كل خير يمكن منعه طالبه {مُعْتَدِ} أي: متجاوز الحدَّ في الاعتداء على الناس بالبَذاء والفُحش في المنطق، وبيده بالسطوة والبطش ظلمًا، كما قال قتادة: معتدٍ في منطقه وسيرته وأمره.
{مُرِيبٍ} أي: شاكّ في الحق، أو ُموقع صاحبه في الرَّيب مع كثرة الدلائل.
وقال القاشاني: الخطاب في {أَلْقِيَا} للسائق والشهيد الذيْن يُوبقانه ويُلقيانه ويهلكانه في أسفل غياهِب مَهواة الهيولي الجسمانية، وغيَابةِ جُبِّ الطبيعة الظلمانية في نيران الحرمان. أو لمالك. والمراد بتثنية الفاعل تكرار الفعل، كأنما قال: ألق، ألق، لاستيلائه عليهم في الإبعاد والإلقاء إلى الجهة السفلية. ويقوّي الأول: أنه عدد الرذائل الموبقة التي أوجبت استحقاقهم لعذاب جهنم، ووقوعهم في نيران الجحيم، وبيَّن أنها من باب العلم والعمل. والكفران ومنع الخير كلاهما من إفراط القوة البهيمية الشهوانية، لانهماكها في لذاتها، واستعمالها نِعَم الله تعالى في غير مواضعها من المعاصي والاحتجاب عن المنعم بها، ومن حقها أن تذكِّره وتبعث على شكره، ومكالبتها عليها لفرط ولوعها بها؛ فتمنعها عن مستحقِّيها. وذكرهما على بناء المبالغة؛ ليدل على رسوخ الرذيلتين فيه وغلبتِهما عليه، وتعمقِه فيهما الموجب للسقوط عن رتبة الفطرة في قعر بئر الطبيعة. والعنود والاعتداء كلاهما من إفراط القوة الغضبية، واستيلائها لفرط الشيطنة، والخروج عن حد العدالة. والأربعة من باب فساد العمل. والريب والشرك كلاهما من نقصان القوة النطقية، وسقوطها عن الفطرة بتفريطها في جنب الله، وتصورها عن حد القوة العاقلة؛ وذلك من باب فساد العلم. انتهى.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [26].
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أي: عبَد معه معبودًا آخر من خلقه {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} أي: عذاب جهنم.
لطيفة:
الموصول إما مبتدأ مضمَّن معنى الشرط، وخبره {فَأَلْقِيَاهُ} أو مفعول لمضمر يفسره {فَأَلْقِيَاهُ} أو بدل من {كُلَّ كَفَّارٍ} فيكون {فَأَلْقِيَاهُ} تكريرًا للتوكيد. قيل على الأخير: إنه مخالف لما ذكره أهل المعاني من أن بين المؤكَّد والمؤكِّد شدة اتصال تمنع من العطف. وأجيب: بأنه من باب: وحقك ثم حقك، نزّل التغاير بين المؤكَّد والمؤكد والمفسِر والمفسَر، منزلةََالتغاير بين الذاتين بوجه خطابي. ولو جعل {الْعَذَابَ الشَّدِيدَ} نوعًا من عذاب جهنم ومن أهواله، على أنه من باب {وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98] كان حسنًا.
قال الشهاب بعد نقله ما ذكر: قال ابن مالك في (التسهيل): فصلُ الجملتين في التأكيد بـ: ثم، إن أمن اللبس، أجود من وصلهما، وذكر بعض النحاة الفاء. وذكر الزمخشري في الجاثية الواوَ أيضًا، واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ، وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد. انتهى.
{قال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [27].
{قال قَرِينُهُ} أي: قرين هذا الإنسان الكفَّار المنَّاع للخير، وهو شيطانه الذي كان موكلًا به في الدنيا، متبرئاَ منه {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أي: بالإرابة ومنع الإسلام وجعلِ إله آخر معك {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} أي: في طريق جائر عن سبيل الهدى، جورًا بعيدًا بنفسه.
قال القاشاني: وقول الشيطان: {مَا أَطْغَيْتُهُ} إلخ كقوله: {إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} [إبراهيم: 22]، لأنه لو لم يكن في ضلال عن طريق التوحيد، بعيد عن الفطرة الأصلية بالتوجه إلى الجهة السفلية، والتغشي بالغواشي المظلمة الطبيعية، لم يقبل وسوسة الشيطان، وقبل إلهام الملك؛ فالذنب إنما يكون عليه بالاحتجاب من نور الفطرة، واكتساب الجنسية مع الشيطان في الظلمة. انتهى.
وقال ابن جرير: وإنما أخبر تعالى عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلامًا منه عباده، تبرُّأ بعضهم من بعض يوم القيامة.
{قال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} [28].
{قال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} أي: لا تختصموا اليوم في دار الجزاء وموقف الحساب؛ فلا فائدة في اختصامكم، وقد قدمت إليكم في الدنيا بالوعيد لمن كفر بي وعصاني وخالف أمري ونهيي في كتبي، وعلى ألسن رسلي.
قال القاشاني: النهي عن الاختصام ليس المراد به انتهاءه، بل عدم فائدته، والاستماع إليه. كأنه قيل: لا اختصام مسموع عندي، وقد ثبت وصحَّ تقديم الوعيد، حيث أمكن انتفاعكم به؛ لسلامة الآلات وبقاء الاستعداد، فلم تنتفعوا به ولم ترفعوا لذلك رأسًا، حتى ترسخت الهيئات المظلمة في نفوسكم، ورانت على قلوبكم، وتحقق الحجاب، وحقّ القول بالعذاب. انتهى.
وعن ابن عباس: أنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم وردَّ عليهم قولهم.
{مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [29].
{مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ} قال ابن جرير: ما يغيَّر القول الذي قلته لكم في الدنيا وهو قوله: {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} أي: فلا أعذب أحدًا بذنب غيره، ولكن بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
وقال القاشاني:
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ} حيث وهبت الاستعداد، وأنبأت على الكمال المناسب له وهديتكم إلى طريق اكتسابه، بل أنتم الظلامون أنفسكم باكتساب ما ينافيه، وإضاعة الاستعداد بوضع النور في الظلمة، واستبدال ما يفنى بما يبقى.
تنبيهات:
الأول: ظاهر الآيات أن هذا التقاول على حقيقته؛ إذ لا مانع منها. وذهب بعض المفسرين إلى أنها مجاز.
قال القاشاني: هذه المقاولات كلها معنوية، مثلت على سبيل التخييل والتصوير، لاستحكام المعنى في القلب، عند ارتسام مثاله في الخيال، فادعاء الكافر الإطغاء على الشيطان وإنكار الشيطان إياه، عبارة عن التنازع والتجاذب الواقع بين قوتيه: الوهمية والعقلية، بل بين كل اثنتين متضادتين من قواه: كالغضبية والشهوية مثلا؛ ولهذا قال: {لَا تَخْتَصِمُوا} ولما كان الأمران في وجوده هما العقلية والوهمية، كان أصل التخاصم بينهما، وكذا يقع التخاصم بين كل متحاورين متخاوضين في أمر، لتوقع نفع أولذة، يتوقفان ما دام مطلوبهما حاصلًا، فإذا حرما أوقعا بسعيهما في خسران وعذاب، تدارءا، أو نسب كلٌّ منهما التسبب في ذلك إلى الآخر، لاحتجابهما عن التوحيد، وتبرؤ كل منهما عن ذنبه لمحبَّة نفسه؛ ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبي عليه السلام: «ورأيت أهل النار يتعاورون». وصوب عليه السلام قوله. انتهى.
الثاني: إن قلت: لم طرحت الواو من جملة {قال قَرِينُهُ} وذكرت في الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول، كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون.
فإن قلت: أين المقاولة؟ قلت: لما قال قرينة: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} وتبعه قوله: {قال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} وتلاه: {لَا تَخْتَصِمُوا} علم أن ثَمَّ مقاولة من الكافر، لكنها طرحت للدلالة عليها من السياق كأنه لما قال القرين: هذا ما لدي عتيد، قال الكافر: رب هو أطغاني، فلما قال الكافر ذلك، قال القرين: ما أطغيته، فلما حكى قول القرين والكافر كأن قائلًا يقول: فماذا قال الله تعالى؟ فقيل: {قال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} وذكر الواو في الجملة الأولى لأنها أول المقاولة، ولا بد من عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه ما قاله له، هذا ملخص ما في(الكشاف).
الثالث: جوز قوله تعالى: {بِالْوَعِيدِ} أن تكون الباء زائدة في المفعول، وأن يكون حالًا من الفاعل أو المفعول، والباء للملابسة، أو المعية، والمعنى: قدمت هذا القول موعدًا لكم به، أو حال كون القول ملتبسًا بالوعيد، أو من {لَا تَخْتَصِمُوا} على تأويل تقديم الوعيد بالعلم به، أي: لا تختصموا عالمين به؛ وذلك لتصح الحالية، ويكون بينها وبين عاملها مقارنة على اصطلاحهم.
الرابع: دل قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ} على أنه لا خلف في إيعاد الله تعالى، كما لا إخلاف في ميعاد الله. وهذا يرد على المرجئة حيث قالوا: ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف لا يحقق الله شيئًا منه، وقالوا: الكريم إذا وعد أنجز ووفَّى، وإذا أوعد أخلف وعفا، أفاده الرازي.
ووجه الاستدلال أنه لو صح ما ذكروه للزم تبديل قوله تعالى، والخلف في إخباره- تقدس عن ذلك- مع أن طبيعة الذنب تقتضي العقوبة، إلا أن يتاب منه، أو يشاء تعالى العفو عنه.
الخامس: ذكروا في سر المبالغة في {بِظَلاَّمٍ} وجوهًا:
منها: أن فّعالًا قد ورد بمعنى فاعل، فهذا منه.
ومنها: اعتبار كثرة الخلق.
ومنها: أن المنسوب في المعتاد إلى الملوك من الظلم تحت ظلمهم، إن عظيمًا فعظيم وإن قليلًا فقليل، فما كان ملك الله تعالى على كل شيء ملكه، قدس ذاته عما يتوهم مخذول، والعياذ بالله، أنه منسوب إليه من ظلم تحت شمول كل موجود.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [30].
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قال ابن جرير: فيه لأهل التأويل قولان:
الأول: أن معناه: ما من مزيد. فعن مجاهد قال: وعدها الله ليملأنها فقال: هلا وفَّيتك؟ قالت: وهل من مسلك؟!.
الثاني: معناه: زدني.
أي: فالاستفهام على الأول إنكاري ّ، معناه النفي، وأيد بآية {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119] و[السجدة: 13]، والقرآن يفسر بعضُه بعضًا وعلى الثاني تقريريّ، دلالة على سعتها. بحيث يدخلها من يدخلها، وفيها فراغ وخلوّ، كأنه يطلب الزيادة.
فإن قيل: الوجه الثاني- وهو كونها فيها فراغ- منافٍ لصريح النظم من قوله: {لأملأن جهنم} الآية، قلت: لا منافاة بينهما كما توهم؛ لأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن سكنها، وإن كان فيها فراغ كبير، كما يقال: إن البلدة ممتلئة بأهلها، ليس فيها دار خالية، مع ما بينها من الأبنية والأفضية. أو هذا باعتبار حالين، فالفراغ في أول دخول أهلها فيها، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ.
تنبيه:
ذهب جماعة إلى أن المقاولة في الآية مجاز على طريق الاستعارة التمثيلية، وأن جهنم لشدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعُصاة وقذفهم فيها، كأنها طالبة للزيادة. وآخرون إلى أن ذلك حقيقة.
قال الناصرفي (الانتصاف): إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. وكيف نفرض، وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك؟ منها هذا، ومنها «لجاج الجنة والنار»، ومنها «اشتكاؤها إلى ربها، فأذن لها في نَفَسين». وهذه وإن لم تكن نصوصًا، فظواهر يجب حملها على حقائقها، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر، ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإن القدرة صالحة والعقل يجوِّز، والظواهر قاضية بوقوع ما جوَّزه العقل. وقد وقع مثل هذا قطعًا في الدنيا، «كتسليم الشجر، وتسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه». ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة، لا تسع الخرْق وضلَّ كثير من الخلق عن الحق. وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق. انتهى.
قال الشهاب: وهو كلام حسن، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. انتهى.
ولا تنس ما قلناه مرارًا من أن اللغة لا تنحصر في الحقيقة، وأن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، كما أوضحه السيوطي في (المزهر) والجرجاني في (أسرار البلاغة). وفي شواهد العرب الكثيرة ما يؤيد المجاز، ولا محذور فيه، عدا عن كونه أبلغ، كما قرروه. وبالجملة فالنظم الكريم يحتملها- والله أعلم-.
و{يَوْمَ} منصوب بـ: {ظَلاَّمٍ} أو بمضمر، نحو: اذكر وأنذر. والمزيد إما مصدر كالمَحيد، أو اسم مفعول كالمبيع.
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [31].
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} أي: قرِّبت، أودنيت، {لِّلْمُتَّقِينَ} أي: للذين اتقوا ربهم فخافوا عقوبته بأداء فرائضه واجتناب معاصيه {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي: مكانًا غير بعيد، فهو صفة للظرف قام مقامه، أو حال من الجنة. وتذكيره لأنه صفة مذكر، أي: شيئًا غير بعيد، أو تأويل الجنة بالبستان، أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر والمؤنث، فعومل معاملته وأجري مجراه. وعلى كلٍّ فهو للتأكيد، ودفع التجوز، فلا يقال بعد ذكر كونها قربت: لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [32].
{هَذَا} أي: الثواب أو الإزلاف {مَا تُوعَدُونَ} أيها المتقون {لِكُلِّ أَوَّابٍ} أي: راجع عن معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه {حَفِيظً} أي: حافظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه.
وقال القاشاني: أي: محافظ على صفاء فطرته ونوره الأصلي، كي لا يتكدر بظلمة النفس و{لِكُلِّ} بدل من {لِّلْمُتَّقِينَ} بإعادة الجار.
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [33].